السبت، ١١ أبريل ٢٠٠٩

،،محكمة النخيــل(>-<)




دائما أحببت أن أسير يوميا على الأقل ساعة ,فقد تعودت منذ طفولتي على فعل هذه العادة وكانت قدماي دائما يقذفوا بي

إلى الجانب الأخضر من البلدة التي اسكن بها , ولكن هذه المرة لم أرى خضار الأراضي المزروعة فقط بل رأيت قطعة

من الأرض المليئة بالنخيل الذي ينضر بثماره , وكنت قد اقتربت في تلك اللحظة على الرجوع ولكن شيء جعلني أجلس

تحت أحدي نخيل تلك الأرض , لا اعرف لماذا جلست فلست منهكا من تعب السير فأنا أسير كذلك يوميا . بعد أن جلست

أحسست بشيء غريب ,أحسست أن النخيل تتحرك وتتحرك فروعها تماما كيدي وتشيرها إلي , وتحركت النخيل

بالفعل امامى فتوقف عقلي عن التفكير , وأحسست أنى طفل في الثالثة من عمره يرى الأشياء ولكن لا يدرك ماهيتها .

وكان من بين النخيل نخلة مميزة في طولها , أكثرهم ثمارا وكأنها عروس في ليلة عرسها , وقد مدت لي فرع من

فروعها بدون أن تنحني ولا اعرف كيف أخذ بى الفرع رغم بعده عنى , ثم قمت . وتحركت باقي النخيل ثلاثة على

يميني وثلاثة على يساري وخلفي باقي النخيل, وأحسست كأني في محكمة وتلك النخيل الستة هم القضاة والمستشارين.

قالت احدهن أنهض لقد سببت من سالف الأزمان إلى يومنا هذا فسادا لأراضي من تقلبت في خيرها وأسأت معاملتها

وحولتها إلى مذبحة للأخلاق ومأوى للحروب فيقتل فيها الأطفال والشيوخ والنساء أو أنها ملقى لفضلاتك . هكذا يرد

الجميل ؟ أهكذا تعامل من وهبك خيراته لكي تعش بأذن من الرحمن, أنهض ودافع عن نفسك فأنت أنسى قد حملت نتيجة

كل البشر وستحاكم. إن أردت أن تعيش فاجلب لنا الأدلة التي تفيد بأنك لست من صنعت هذا الفساد في أرضنا, فأن

نجحت تركناك رجعت وان فشلت في ذلك حكمنا عليك بأن تتوه في أرض النخيل حتى الموت. كل هذا أمامي وما زال

الصمت يوجم على نفسي, ثم تحرك الحساس بداخلي وأدركت انه لا مفر, فيجيب أن أنهض ولكن العجب أنى بالفعل أقف

فلما أنهض ! , في ذلك الوقت بدأت أفكاري تتوالى بذهني , ألديهم الحق في محاكمتي , لما وأنا أنسى واحد ! ولا أفعل

هذه الأشياء التي القوا علي التهم بها , لكن عقلي توقف عند فكرة كأنها منارة على شاطئ , وتوجد سفينة تلك السفينة

تدرك أن هذا الضوء ضوء لهداية إلى الطريق الصحيح لكن يخيل إليها فتخاف أن يكون شبحا في المياه أو كالنداهة التي

تنادى على ما يستقل سفينة وسط البحر حتى تسحبهم إلى هلاكها . الآن عرفت لما كل هذه التهم, لأنني وطوال عمري

كنت أرى من البشر ما يفعلونه من فساد وظلم ولكن كنت أتجنب حتى لو نصيحة بسيطة إليهم, أنني نفسي ونفسي

تتنفس صمتا ليس بخوف لكن عجزا داخلي. ما هذا إن النخيل تسمع ما يدور بداخلي وبنفسي وبضميري ويتحدثون عنى

رغم انه لم تتحرك شفاهي, وبدا لي وكأنهم سيحكمون عليا بالموت فقد قدمت اعترافي بنفسي عندما تحدث ضميري عن

خطأي. حانت اللحظة التي سأتوه بها في تلك الأرض, الآن سينطقون, حكمت النخيل..... لكن صوت عذب رقيق تكلم

وقال تمهلوا فلي كلمة فتوقف باقي النخيل , نعم أنها النخلة التي مدت لي فروعها سوف تقول شيئا , قالت أن هذا الأنسى

رغم كل ما اتهم به إلى انه يملك ما يتشفع له ويجلب له براءته , أنها أنا ! فأنا نبتة قد وضعها هذا الأنسى وكان في

وقتها طفلا والآن صرت نخلة من عشيرتكم ومنكم فلي أن تتركوه فمن وضع نبتا أو جذرا ويصير كذلك في صورة من

أجمل ما تكون له أن يصلح ما افسد , فصدقوا باقي النخيل على كلامها وحكموا عليه بالبراءة , واستأثر داخلي شعور

بالسعادة والفرح والسرور وكأن قلبي يرقص ولا أعرف كيف أرد الجميل إلى تلك النخلة , فلولاها ما بقيت إلا تائها .

وحمدت الله على ذلك ووعدت النخيل أنى لن أصمت بعد الآن على ما يحدث فأقل الأشياء النصيحة. وفى آخر حرف من

تلك الكلمة الأخيرة, استيقظت ووجدت نفسي جالسا تحت نخلة وباقي النخيل كما هي لا تتحرك ولا تتكلم ولا تحاكم.

وأيقنت أن هذه غفلة ولكنها غفلة أيقظت الإنسان الحر الذي يعش سجينا بداخلي, ثم

قمت وتوجهت إلى طريق رجوعي وعلى وجهي ابتسامة لما دارى بي.

تحياتى

ЌΪЙĢ〣〤〢ǍЯťĦЦŘ